عقب قرار تأجيل الامتحانات

طلبة التوجيهي بغزة.. "أمال معلقة ومستقبل مجهول"

طلبة التوجيهي بغزة..
تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:
على واقع أصوات الصواريخ والانفجارات التي لا تتوقف، وداخل بيئة غير مناسبة للدراسة، تُصارع ياسمين طه طالبة الثانوية العامة، الزمن والظروف كي تتم استعداداتها لتقديم الامتحانات النهائية المؤجلة عدة مرات بفعل استمرار حرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
بشغفٍ وسعادة كبير، ختمت الطالبة المُتفوقة "ياسمين" رزمها التعلمية والمنهاج المقرر ثلاث مرات، لعلها تحظي بمعدل إمتياز يُمكنها من تحقيق حُلمها بدراسة تخصص تكنولوجيا المعلومات ( IT) ، إلا أن سعادتها لم تدم طويلاً، فالحرب إغتالت حُلمها مُجدداً.
ومؤخراً ، قررت وزارة التربية والتعليم العالي في السلطة الفلسطينية تأجيل عقد الدورة الاستثنائية لامتحان الثانوية العامة 2024 (توجيهي 2006) والتي كان مقررا عقدها يوم 13 أبريل/نيسان الجاري، وذلك بسبب "الظروف الميدانية على الأرض".
وقالت الوزارة إنها كانت قد "استكملت استعدادها لعقد الامتحان إلكترونيا وفي مراكز خاصة وفق ترتيبات بالتعاون مع الشركاء والاتصالات الفلسطينية من خلال توفير أثاث وتحسين شبكة الاتصالات، لكن نتيجة الظروف القاسية والهجمة الاسرائيلية على القطاع، وتجدد العدوان من قصف وتدمير للمدارس بات عقد الامتحان يشكل خطرا على الطلبة، مما دفع الوزارة إلى تأجيل الامتحان حتى إشعار آخر.
وحرم ألاف الطلبة والطالبات بغزة من اجتياز امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي)، للعام الثاني على التوالي بفعل الحرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ السابعة من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023م.
اغتالت أحلامنا
"الحرب اغتالت أحلامنا ومستقبلنا، كما اغتالت أرواحنا، ويبدو أن امتحاناتنا لن تُعقد أبداً ولن ندخل الجامعة "، هكذا أعربت ياسمين عن استيائها وحزنها الشديد من قرار الوزارة بتأجيل الامتحانات لشعار أخر.
وتُقيم "ياسمين" مع أسرتها داخل صف دراسي خال من المقاعد، نوافذه مُغطاه بقطع القماش البالي، وجدرانه رمادية اللون مليئة بالثقوب، داخل مدرسة حكومية غربي مدينة دير البلح وسط القطاع، منذ نزوحها الأخير عن منزلها شرق مخيم البريج قبل نحو شهر.
وتتابع بغصةٍ تعترض صوتها: "في مثل هذا الصف كان يفترض أن نتعلم ونستعد للامتحانات، لكننا نقيم فيه نازحين بعدما شردتنا الحرب".
وأضافت الطلبة التى تواجه تحديات يومية مثل النزوح المتكرر وانقطاع الكهرباء والإنترنت واكتظاظ النازحين بالمدرسة :" تحملنا كُل الظروف الصعبة عشان نقدم الامتحانات وما يضيع مستقبلنا، لكن للأسف كُل تعبنا ذهب بلا فائدة".
تتمني ياسمين أن تنتهي حرب الإبادة على غزة بأقرب وقت ممكن، وأن يتمكن الطلبة من الإلتحاق بمقاعدهم الدراسية أسوةً بزملائهم بمختلف دول العالم.
أمال معلقة
وتعيش طالبة الثانوية العامة "الفرع العلمي" سجى اشتيوي، بخيبة أمل كبيرة بعدما أطاحت الحرب المتجددة بحُلمها في تقديم الاختبارات التى هي بوابة الالتحاق بالجامعات المحلية والخارجية.
بحسرة وألم، تقول سجى لـ"الاستقلال":" كنت مبسوطة جداً لأنني سأقدم الامتحانات واحصل على شهادة التوجيهي لدخول الجامعة، لكنّ التأجيل مستمر"، مضيفة ً: "حتى لو حصلنا على شهادتنا لا توجد جامعات ندرس فيها، فالحرب دمرت كل شيء، أحلامنا بقت معلقة".

وتسلل اليأس لقلب سجي، التي كانت تحلم بدراسة الطب، لأنها تُدرك أن الواقع في غزة يحكم على السكان بما تفرضه الحرب الإسرائيلية وليس بما يتمنون. وفق رأيها.
وتتابع بحزن شديد: "الحرب قلبت كل شيء رأسًا على عقب، المدارس تحولت إلى مأوى للنازحين، المنازل دُمّرت، والطلبة والمعلمون يكافحون لتوفير لقمة العيش".
وأوضحت أن طلبة التوجيهي وخاصة مواليد 2006، يعيشون حالة من الاستنزاف العميق "الجسدي والنفسي والذهني"، فعلى جانب لا يمكن لهم أن يتوقفوا عن الاستعداد للامتحانات ومراجعة الدروس، وعلى الجانب الآخر أنهكتهم الحرب وويلاتها"، مؤكدةً:" أن الدراسة دون انقطاع استنزفت أذهاننا، فلم نعد نقوى على التركيز".
ولا تخفي "سجي" مخاوفها من استمرار تأجيل الامتحانات وضياع عام دراسي آخر عليها، قائلة:" "ولولا الحرب لكنت في عامي الدراسي الثاني بالجامعة".
وطالبت بضرورة إيجاد حلٍ لأزمة إجراء امتحانات الثانوية بالقطاع، ووقف مسلسل المعاناة المستمر، "مع ضرورة إيقاف الحرب الإسرائيلية التي قتلت كل أشكال الحياة في القطاع المنكوب".
واقع مُعقد
وبدوره، أكد الناطق باسم وزارة التربية والتعليم، صادق الخضور، أن قرار تأجيل عقد امتحانات الثانوية العامة في المحافظات الجنوبية، اتخذ نتيجة تعقيدات الوضع الأمني والخطورة على حياة الطلبة في ظل استمرار استهداف الاحتلال الإسرائيلي للمدارس ومراكز الإيواء، وصعوبة تجميع الطلبة في مكان واحد تحت وطأة القصف.
وقال خضور خلال حديثه لـ"الاستقلال":" أن الوزارة لأول مرة بتاريخها تقرر عقد اختبارات الثانوية العامة لطلبة غزة إلكترونياً مراعاة للظروف الراهنة، حيث تم استثمار فترة التهدئة لصالح تعزيز المراكز التعليمية وإعداد برماجية خاصة لعقده إلكترونياً".
وأوضح أن الوزارة حاولت جاهدة لتوفير أجهزة "الأيباد" لطلبة عبر شركاء دوليين وعرب، إلا أن الاحتلال أفشل كُل هذه الجهود، مما أجبرها على تأجيل الامتحانات المُقرر عقدها بـ 13 الشهر الجاري.
وأشار إلى صعوبة توفير قرطاسية وأثاث لعقد امتحانات ورقية وفق النظام المعتاد، بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمدارس نتيجة القصف، وكذلك استخدامها كمراكز إيواء.
وشدد خضور على عزم الوزارة عقد امتحانات الثانوية العامة في قطاع غزة حال توقف العدوان، أيًا كان السيناريو أو الطريقة الممكنة لتنفيذها، خاصةً وأنه تم تحديد المراكز التي سيتم إجراء الامتحانات داخلها من قبل الوزارة في وقت سابق، "ويتبقى أن تساعد الظروف في إتمام الاستعدادات لها".
ونوه إلى أن الوزارة لن تتوقف عن التفكير بآليات أخرى لعقد الاختبارات في حال طال أمد العدوان على القطاع، متمنياً أن تنتهي حرب الإبادة قبل الموعد المحدد لعقد اختبارات التوجيهي لمواليد 2007، في 21حزيران القادم.
وتقف وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أمام استحقاق دفعتين من الطلبة في قطاع غزة، من مواليد عامي 2006 و2007م، للتقدم لامتحانات الثانوية العامة، بينما تشير الوزارة إلى أن نحو 23 ألف طالب ثانوية عامة سجلوا للتقدم للامتحانات في موعدها المقرر بتاريخ 13- نيسان/ أبريل -2025م، من أصل 31 ألف طالب محتملين.

التعليقات : 0

إضافة تعليق